فصل: تفسير الآية رقم (51):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: أنوار التنزيل وأسرار التأويل المشهور بـ «تفسير البيضاوي»



.تفسير الآية رقم (50):

{إِنْ تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكَ مُصِيبَةٌ يَقُولُوا قَدْ أَخَذْنَا أَمْرَنَا مِنْ قَبْلُ وَيَتَوَلَّوْا وَهُمْ فَرِحُونَ (50)}
{إِن تُصِبْكَ} في بعض غزواتك. {حَسَنَةٌ} ظفر وغنيمة. {تَسُؤْهُمْ} لفرط حسدهم. {وَإِن تُصِبْكَ} في بعضها. {مُّصِيبَةٍ} كسر أو شدة كما أصاب يوم أحد. {يَقُولُواْ قَدْ أَخَذْنَا أَمْرَنَا مِن قَبْلُ} تبجحوا بانصرافهم واستحمدوا رأيهم في التخلف. {وَيَتَوَلَّواْ} عن متحدثهم بذلك ومجتمعهم له، أو عن الرسول صلى الله عليه وسلم. {وَّهُمْ فَرِحُونَ} مسرورون.

.تفسير الآية رقم (51):

{قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (51)}
{قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلاَّ مَا كَتَبَ الله لَنَا} إلا ما اختصنا بإثباته وإيجابه من النصرة، أو الشهادة أو ما كتب لأجلنا في اللوح المحفوظ لا يتغير بموافقتكم ولا بمخالفتكم. وقرئ: {هل يصيبنا} و{هل يصيبنا} وهو من فيعل لا من فعل لأنه من بنات الواو لقولهم صاب السهم يصوب واشتقاقه من الصواب لأنه وقوع الشيء فيما قصد به. وقيل من الصواب. {هُوَ مولانا} ناصرنا ومتولي أمورنا. {وَعَلَى الله فَلْيَتَوَكَّلِ المؤمنون} لأن حقهم أن لا يتوكلوا على غيره.

.تفسير الآية رقم (52):

{قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَنْ يُصِيبَكُمُ اللَّهُ بِعَذَابٍ مِنْ عِنْدِهِ أَوْ بِأَيْدِينَا فَتَرَبَّصُوا إِنَّا مَعَكُمْ مُتَرَبِّصُونَ (52)}
{قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا} تنتظرون بنا. {إِلا إِحْدَى الحسنيين} إلا إحدى العاقبتين اللتين كل منهما حسنى العواقب: النصرة والشهادة. {وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ} أيضاً إحدى السوأيين {أَن يُصِيبَكُمُ الله بِعَذَابٍ مّنْ عِندِهِ} بقارعة من السماء. {أَوْ بِأَيْدِينَا} أو بعذاب بأيدينا وهو القتل على الكفر. {فَتَرَبَّصُواْ} ما هو عاقبتنا {إِنَّا مَعَكُمْ مُّتَرَبّصُونَ} ما هو عاقبتكم.

.تفسير الآية رقم (53):

{قُلْ أَنْفِقُوا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا لَنْ يُتَقَبَّلَ مِنْكُمْ إِنَّكُمْ كُنْتُمْ قَوْمًا فَاسِقِينَ (53)}
{قُلْ أَنفِقُواْ طَوْعاً أَوْ كَرْهاً لَّن يُتَقَبَّلَ مِنكُمْ} أمر في معنى الخبر، أي لن يتقبل منكم نفقاتكم أنفقتم طوعاً أو كرهاً. وفائدته المبالغة في تساوي الانفاقين في عدم القبول كأنهم أمروا بأن يمتحنوا فينفقوا وينظروا هل يتقبل منهم. وهو جواب قول جد بن قيس وأعينك بمالي. ونفي التقبل يحتمل أمرين أن لا يؤخذ منهم وأن لا يثابوا عليه وقوله: {إِنَّكُمْ كُنتُمْ قَوْماً فاسقين} تعليل له على سبيل الاستئناف وما بعده بيان وتقرير له.

.تفسير الآية رقم (54):

{وَمَا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ وَلَا يَأْتُونَ الصَّلَاةَ إِلَّا وَهُمْ كُسَالَى وَلَا يُنْفِقُونَ إِلَّا وَهُمْ كَارِهُونَ (54)}
{وَمَا مَنَعَهُمْ أَن تُقْبَلَ مِنْهُمْ نفقاتهم إِلا أَنَّهُمْ كَفَرُواْ بالله وَبِرَسُولِهِ} أي وما منعهم قبول نفقاتهم إلا كفرهم. وقرأ حمزة والكسائي {أن يقبل} بالياء لأن تأنيث النفقات غير حقيقي. وقرئ: {يقبل} على أن الفعل لله. {وَلاَ يَأْتُونَ الصلاة إِلاَّ وَهُمْ كسالى} متثاقلين. {وَلاَ يُنفِقُونَ إِلاَّ وَهُمْ كارهون} لأنهم لا يرجون بهما ثواباً ولا يخافون على تركهما عقاباً.

.تفسير الآية رقم (55):

{فَلَا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ (55)}
{فَلاَ تُعْجِبْكَ أموالهم وَلاَ أولادهم} فإن ذلك استدراج ووبال لهم كما قال. {إِنَّمَا يُرِيدُ الله لِيُعَذّبَهُمْ بِهَا فِي الحياة الدنيا} بسبب ما يكابدون لجمعها وحفظها من المتاعب وما يرون فيها من الشدائد والمصائب. {وَتَزْهَقَ أَنفُسُهُمْ وَهُمْ كافرون} فيموتوا كافرين مشتغلين بالتمتع عن النظر في العاقبة فيكون ذلك استدراجاً لهم. وأصل الزهوق الخروج بصعوبة.

.تفسير الآية رقم (56):

{وَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنَّهُمْ لَمِنْكُمْ وَمَا هُمْ مِنْكُمْ وَلَكِنَّهُمْ قَوْمٌ يَفْرَقُونَ (56)}
{وَيَحْلِفُونَ بالله إِنَّهُمْ لَمِنكُمْ} إنهم لمن جملة المسلمين. {وَمَا هُم مّنكُمْ} لكفر قلوبهم. {ولكنهم قَوْمٌ يَفْرَقُونَ} يخافون منكم أن تفعلوا بهم ما تفعلون بالمشركين فيظهرون الإِسلام تقية.

.تفسير الآية رقم (57):

{لَوْ يَجِدُونَ مَلْجَأً أَوْ مَغَارَاتٍ أَوْ مُدَّخَلًا لَوَلَّوْا إِلَيْهِ وَهُمْ يَجْمَحُونَ (57)}
{لَوْ يَجِدُونَ مَلْجَأَ} حصناً يلجؤون إليه {أَوْ مغارات} غيراناً. {أَوْ مُدْخَلاً} نفقاً ينجحرون فيه مفتعل من الدخول وقرأ يعقوب {مُّدْخَلاً} من مدخل. وقرئ: {مُّدْخَلاً} أي مكاناً يدخلون فيه أنفسهم و{متدخلاً} و{مندخلاً} من تدخل واندخل {لَّوَلَّوْاْ إِلَيْهِ} لأقبلوا نحوه. {وَهُمْ يَجْمَحُون} يسرعون إسراعاً لا يردهم شيء كالفرس الجموح. وقرئ: {يجمزون} ومنه الجمازة.

.تفسير الآية رقم (58):

{وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ فَإِنْ أُعْطُوا مِنْهَا رَضُوا وَإِنْ لَمْ يُعْطَوْا مِنْهَا إِذَا هُمْ يَسْخَطُونَ (58)}
{وَمِنْهُمْ مَّن يَلْمِزُكَ} يعيبك. وقرأ يعقوب {يَلْمِزُكَ} بالضم وابن كثير {يلامزك}. {فِي الصدقات} في قسمها. {فَإِنْ أُعْطُواْ مِنْهَا رَضُواْ وَإِن لَّمْ يُعْطَوْاْ مِنهَا إِذَا هُمْ يَسْخَطُونَ} قيل إنها نزلت في أبي الجواظ المنافق فقال؛ ألا ترون إلى صاحبكم إنما يقسم صدقاتكم في رعاة الغنم ويزعم أنه يعدل. وقيل في ابن ذي الخويصرة رأس الخوارج، كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقسم غنائم حنين فاستعطف قلوب أهل مكة بتوفير الغنائم عليهم فقال: اعدل يا رسول الله فقال: «ويلك إن لم أعدلْ فمن يعدل» و{إِذَا} للمفاجأة نائب مناب الفاء الجزائية.

.تفسير الآيات (59- 60):

{وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا مَا آَتَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ سَيُؤْتِينَا اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ إِنَّا إِلَى اللَّهِ رَاغِبُونَ (59) إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (60)}
{وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوْاْ مَا ءاتاهم الله وَرَسُولُهُ} ما أعطاهم الرسول من الغنيمة أو الصدقة، وذكر الله للتعظيم وللتنبيه على أن ما فعله الرسول عليه الصلاة والسلام كان بأمره. {وَقَالُواْ حَسْبُنَا الله} كفانا فضله {سَيُؤْتِينَا الله مِن فَضْلِهِ} صدقة أو غنيمة أخرى. {وَرَسُولُهُ} فيؤتينا أكثر مما آتانا. {إِنَّا إِلَى الله راغبون} في أن يغنينا من فضله، والآية بأسرها في حيز الشرط، والجواب محذوف تقديره {خَيْراً لَّهُمْ}. ثم بين مصارف الصدقات تصويباً وتحقيقاً لما فعله الرسول صلى الله عليه وسلم فقال: {إِنَّمَا الصدقات لِلْفُقَرَاء والمساكين} أي الزكوات لهؤلاء المعدودين دون غيرهم، وهو دليل على أن المراد باللمز لمزهم في قسم الزكوات دون الغنائم. والفقير من لا مال له ولا كسب يقع موقعاً من حاجته من الفقار كأنه أصيب فقاره. والمسكين من له مال أو كسب لا يكفيه من السكون كأن العجز أسكنه، ويدل عليه قوله تعالى: {أَمَّا السفينة فَكَانَتْ لمساكين} وأنه صلى الله عليه وسلم كان يسأل المسكنة ويتعوذ من الفقر. وقيل بالعكس لقوله تعالى: {مِسْكِيناً ذَا مَتْرَبَةٍ} {والعاملين عَلَيْهَا} الساعين في تحصيلها وجمعها. {والمؤلفة قُلُوبُهُمْ} قوم أسلموا ونيتهم ضعيفة فيه فيستأنف قلوبهم أو أشراف قد يترتب بإعطائهم ومراعاتهم إسلام نظرائهم، وقد أعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم عيينة بن حصن والأقرع بن حابس والعباس بن مرداس لذلك. وقيل أشراف يستألفون على أن يسلموا فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعطيهم والأصح أنه كان يعطيهم من خمس الخمس الذي كان خاص ماله وقد عد منهم من يؤلف قلبه بشيء منها على قتال الكفار ومانعي الزكاة. وقيل كان سهم المؤلفة لتكثير سواد الإسلام فلما أعزه الله وأكثر أهله سقط. {وَفِي الرقاب} وللصرف في فك الرقاب بأن يعاون المكاتب بشيء منها على أداء النجوم. وقيل بأن تبتاع الرقاب فتعتق وبه قال مالك وأحمد أو بأن يفدي الأسارى. والعدول عن اللام إلى {فِى} للدلالة على أن الاستحقاق للجهة لا للرقاب. وقيل للايذان بأنهم أحق بها. {والغارمين} والمديونين لأنفسهم في غير معصية ومن غير إسراف إذا لم يكن لهم وفاء، أو لإِصلاح ذات البين وإن كانوا أغنياء لقوله صلى الله عليه وسلم: «لا تحل الصدقة لغني إلا لخمسة: لغازٍ في سبيل الله أو لغارم، أو لرجل اشتراها بماله، أو لرجل له جار مسكين فتصدق على المسكين فأهدى المسكين للغني أو لعامل عليها» {وَفِى سَبِيلِ الله} وللصرف في الجهاد بالإِنفاق على المتطوعة وابتياع الكراع والسلاح. وقيل وفي بناء القناطر والمصانع. {وابن السبيل} المسافر المنقطع عن ماله.
{فَرِيضَةً مّنَ الله} مصدر لما دل عليه الآية الكريمة أي فرض لهم الله الصدقات فريضة، أو حال من الضمير المستكن في {لِلْفُقَرَاء}. وقرئ بالرفع على تلك {فَرِيضَةً}. {والله عَلِيمٌ حَكِيمٌ} يضع الأشياء في مواضعها، وظاهر الآية يقتضي تخصيص استحقاق الزكاة بالأصناف الثمانية ووجوب الصرف إلى كل صنف وجد منهم ومراعاة التسوية بينهم قضية للاشتراك وإليه ذهب الشافعي رضي الله تعالى عنه، وعن عمر وحذيفة وابن عباس وغيرهم من الصحابة والتابعين رضوان الله عليهم أجمعين جواز صرفها إلى صنف واحد وبه قال الأئمة الثلاثة واختاره بعض أصحابنا، وبه كان يفتي شيخي ووالدي رحمهما الله تعالى على أن الآية بيان أن الصدقة لا تخرج منهم لا إيجاب قسمها عليهم.

.تفسير الآية رقم (61):

{وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (61)}
{وَمِنْهُمُ الذين يُؤْذُونَ النبى وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ} يسمع كل ما يقال له ويصدقه، سمي بالجارحة للمبالغة كأنه من فرط استماعه صار جملته آلة السماع كما سمي الجاسوس عيناً لذلك، أو اشتق له فعل من أذن أذناً إذا استمع كأنف وشلل. روي أنهم قالوا محمد أذن سامعه نقول ما شئنا ثم نأتيه فيصدقنا بما نقول. {قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَّكُمْ} تصديق لهم بأنه أذن ولكن لا على الوجه الذي ذموا به بل من حيث أنه يسمع الخير ويقبله، ثم فسر ذلك بقوله: {يُؤْمِنُ بالله} يصدق به لما قام عنده من الأدلة. {وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ} ويصدقهم لما علم من خلوصهم، واللام مزيدة للتفرقة بين إيمان التصديق فإنه بمعنى التسليم وإيمان الأمان. {وَرَحْمَةً} أي وهو رحمة. {لّلَّذِينَ ءامَنُواْ مِنكُمْ} لمن أظهر الإِيمان حيث يقبله ولا يكشف سره، وفيه تنبيه على أنه ليس يقبل قولكم جهلاً بحالكم بل رفقاً بكم وترحماً عليكم. وقرأ حمزة {وَرَحْمَةً} بالجر عطفاً على {خَيْرٌ}. وقرئ بالنصب على أنها علة فعل دل عليه {أُذُنُ خَيْرٍ} أي يأذن لكم رحمة. وقرأ نافع {أَذِنَ} بالتخفيف فيهما. وقرئ: {أُذُنُ خَيْرٍ} على أن {خَيْرٌ} صفة له أو خبر ثان {والذين يُؤْذُونَ رَسُولَ الله لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} بإِيذائه.

.تفسير الآية رقم (62):

{يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ لِيُرْضُوكُمْ وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ إِنْ كَانُوا مُؤْمِنِينَ (62)}
{يَحْلِفُونَ بالله لَكُمْ} على معاذيرهم فيما قالوا أو تخلفوا. {لِيُرْضُوكُمْ} لترضوا عنهم والخطاب للمؤمنين. {والله وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَن يُرْضُوهُ} أحق بالإِرضاء بالطاعة والوفاق، وتوحيد الضمير لتلازم الرضاءين أو لأن الكلام في إيذاء الرسول صلى الله عليه وسلم وإرضائه، أو لأن التقدير والله أحق أن يرضوه والرسول كذلك. {إِن كَانُواْ مُؤْمِنِينَ} صدقاً.

.تفسير الآيات (63- 70):

{أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّهُ مَنْ يُحَادِدِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَأَنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدًا فِيهَا ذَلِكَ الْخِزْيُ الْعَظِيمُ (63) يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِمَا فِي قُلُوبِهِمْ قُلِ اسْتَهْزِئُوا إِنَّ اللَّهَ مُخْرِجٌ مَا تَحْذَرُونَ (64) وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآَيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ (65) لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ (66) الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (67) وَعَدَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْكُفَّارَ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا هِيَ حَسْبُهُمْ وَلَعَنَهُمُ اللَّهُ وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ (68) كَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنْكُمْ قُوَّةً وَأَكْثَرَ أَمْوَالًا وَأَوْلَادًا فَاسْتَمْتَعُوا بِخَلَاقِهِمْ فَاسْتَمْتَعْتُمْ بِخَلَاقِكُمْ كَمَا اسْتَمْتَعَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ بِخَلَاقِهِمْ وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خَاضُوا أُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (69) أَلَمْ يَأْتِهِمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَقَوْمِ إِبْرَاهِيمَ وَأَصْحَابِ مَدْيَنَ وَالْمُؤْتَفِكَاتِ أَتَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (70)}
{أَلَمْ يَعْلَمُواْ أَنَّهُ} أن الشأن وقرئ بالتاء. {مَن يُحَادِدِ الله وَرَسُولَهُ} يشاقق مفاعلة من الحد. {فَأَنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِداً فِيهَا} على حذف الخبر أي فحق أن له أو على تكرير أن للتأكيد ويحتمل أن يكون معطوفاً على أنه ويكون الجواب محذوفاً تقديره من يحادد الله ورسوله يهلك، وقرئ: {فَإن} بالكسر. {ذلك الخزى العظيم} يعني الهلاك الدائم.
{يَحْذَرُ المنافقون أَن تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ} على المؤمنين. {سُورَةٌ تُنَبّئُهُمْ بِمَا فِي قُلُوبِهِم} وتهتك عليهم أستارهم، ويجوز أن يكون الضمائر للمنافقين فإن النازل فيهم كالنازل عليهم من حيث إنه مقروء ومحتج به عليهم، وذلك يدل على ترددهم أيضاً في كفرهم وأنهم لم يكونوا على بت في أمر الرسول صلى الله عليه وسلم بشيء. وقيل إنه خبر في معنى الأمر. وقيل كانوا يقولونه فيما بينهم استهزاء لقوله: {قُلْ استهزءوا إِنَّ الله مُخْرِجٌ} مبرز أو مظهر. {مَّا تَحْذَرُونَ} أي ما تحذرونه من إنزال السورة فيكم، أو ما تحذرون إظهاره من مساويكم.
{وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ} روي: أن ركب المنافقين مروا على رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك فقالوا: انظروا إلى هذا الرجل يريد أن يفتح قصور الشام وحصونه هيهات هيهات، فأخبر الله تعالى به نبيه فدعاهم فقال: «قلتم كذا وكذا» فقالوا لا والله ما كنا في شيء من أمرك وأمر أصحابك ولكن كنا في شيء مما يخوض فيه الركب ليقصر بعضنا على بعض السفر. {قُلْ أبالله وءاياته وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهزِؤون} توبيخاً على استهزائهم بمن لا يصح الاستهزاء به، وإلزاماً للحجة عليهم ولا تعبأ باعتذارهم الكاذب.
{لاَ تَعْتَذِرُواْ} لا تشتغلوا باعتذارتكم فإنها معلومة الكذب. {قَدْ كَفَرْتُمْ} قد أظهرتم الكفر بإيذاء الرسول صلى الله عليه وسلم والطعن فيه. {بَعْدَ إيمانكم} بعد إظهاركم الإيمان. {إِن نَّعْفُ عَن طَائِفَةٍ مّنْكُمْ} لتوبتهم وإخلاصهم، أو لتجنبهم عن الإيذاء والاستهزاء. {نُعَذّبْ طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُواْ مُجْرِمِينَ} مصرين على النفاق أو مقدمين على الإِيذاء والاستهزاء. وقرأ عاصم بالنون فيهما. وقرئ بالياء وبناء الفاعل فيهما وهو الله و{إن تعف} بالتاء والبناء على المفعول ذهاباً إلى المعنى كأنه قال: أن ترحم طائفة.
{المنافقون والمنافقات بَعْضُهُمْ مّن بَعْضٍ} أي متشابهة في النفاق والبعد عن الإِيمان كأبعاض الشيء الواحد. وقيل إنه تكذيب لهم في حلفهم بالله إنهم لمنكم وتقرير لقولهم وما هم منكم وما بعده كالدليل عليه، فإنه يدل على مضادة حالهم لحال المؤمنين وهو قوله: {يَأْمُرُونَ بالمنكر} بالكفر والمعاصي. {وَيَنْهَوْنَ عَنِ المعروف} عن الإِيمان والطاعة. {وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ} عن المبار، وقبض اليد كناية عن الشح. {نَسُواْ الله} غفلوا عن ذكر الله وتركوا طاعته.
{فَنَسِيَهُمْ} فتركهم من لطفه وفضله. {إِنَّ المنافقين هُمُ الفاسقون} الكاملون في التمرد والفسوق عن دائرة الخير.
{وَعَدَ الله المنافقين والمنافقات والكفار نَارَ جَهَنَّمَ خالدين فِيهَا} مقدرين الخلود. {هِىَ حَسْبُهُمْ} عقابًا وجزاء وفيه دليل على عظم عذابها. {وَلَعَنَهُمُ الله} أبعدهم من رحمته وأهانهم. {وَلَهُمْ عَذَابٌ مُّقِيمٌ} لا ينقطع والمراد به ما وعدوه أو ما يقاسونه من تعب النفاق.
{كالذين مِن قَبْلِكُمْ} أي أنتم مثل الذين، أو فعلتم مثل فعل الذين من قبلكم. {كَانُواْ أَشَدَّ مِنكُمْ قُوَّةً وَأَكْثَرَ أموالا وأولادا} بيان لتشبيههم بهم وتمثيل حالهم بحالهم. {فاستمتعوا بخلاقهم} نصيبهم من ملاذ الدنيا، واشتقاقه من الخلق بمعنى التقدير فإنه ما قدر لصاحبه. {فَاسْتَمْتَعْتُمْ بخلاقكم كَمَا اسْتَمْتَعَ الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ بخلاقهم} ذم الأولين باستمتاعهم بحظوظهم المخدجة من الشهوات الفانية والتهائهم بها عن النظر في العاقبة والسعي في تحصيل اللذائذ الحقيقية تمهيداً لذم المخاطبين بمشابهتهم واقتفاء أثرهم. {وَخُضْتُمْ} ودخلتم في الباطل. {كالذي خَاضُواْ} كالذين خاضوا، أو كالفوج الذي خاضوا، أو كالخوض الذي خاضوه. {أُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أعمالهم فِي الدنيا والآخرة} لم يستحقوا عليها ثواباً في الدارين. {وَأُوْلَئِكَ هُمُ الخاسرون} الذين خسروا الدنيا والآخرة.
{أَلَمْ يَأْتِهِمْ نَبَأُ الذين مِن قَبْلِهِمْ قَوْمِ نُوحٍ} أغرقوا بالطوفان. {وَعَادٌ} أهلكوا بالريح. {وَثَمُودُ} أهلكوا بالرجفة. {وَقَوْمِ إبراهيم} أهلك نمروذ ببعوض وأهلك أصحابه. {وأصحاب مَدْيَنَ} وأهل مدين وهم قوم شعيب أهلكوا بالنار يوم الظلة. {والمؤتفكات} قريات قوم لوط ائتفكت بهم أي انقلبت بهم فصار عاليها سافلها، وأمطروا حجارة من سجيل، وقيل قريات المكذبين المتمردين وائتفاكهن انقلاب أحوالهن من الخير إلى الشر. {أَتَتْهُمْ رُسُلُهُمْ} يعني الكل. {بالبينات فَمَا كَانَ الله لِيَظْلِمَهُمْ} أي لم يك من عادته ما يشابه ظلم الناس كالعقوبة بلا جرم. {ولكن كَانُواْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} حيث عرضوها للعقاب بالكفر والتكذيب.